أهداف الدراسات الاستشراقية

من الواضح أن أبرز هدف للمستشرقين من دراساتهم هو: "إضعاف مُثل الإسلام وقيمه العليا من جانب، وإثبات تفوق المثُل الغربية وعظمتها من جانب آخر، وإظهار أية دعوة تدعو للتمسك بالإسلام بمظهر الرجعية والتأخر"[1].

وهناك أهداف أخرى يمكن تلخيصها في الآتي:

1- إنكار أن يكون القرآن الكريم كتابـاً سماوياً منزلاً من عند الله سبحانه وتعالى، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسولٌ، أي أنه صلى الله عليه وسلم كاذب، وأن القرآن من تأليفه وحده أو بمعاونة آخرين، ومن ثم فهو كتاب بشري، وهذا الافتراء سبق وأن جاء به المشركون من قبل، فقد قالوا عن الوحي: إنه أضغاث أحلام، وتارة قول شاعر، وتارة قول كاهن، وتارة قول شيطان، وتارة قول بشر، وتارة أساطير الأولين، وتارة إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون، ومن ثم تتعدد وتتنوع أوصافهم للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو كاهن أو ساحر أو مجنون.

وكل هذه التفسيرات والأوصاف المفتراة قد أوردها القرآن الكريم في آيات عديدة:

• ﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء: 5].

• ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الحاقة: 40 - 43].

• ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [التكوير: 22 - 25].

• ﴿ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 24، 25].

• ﴿ وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ * إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ﴾ [الحجر: 6 - 9].

• ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفرقان: 4، 5]

• ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [النحل: 24].

2- يعتبر إنكارهم لنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وسماوية القرآن، وإنكارهم أن يكون الإسلام ديناً من عند الله، وإنما هو ملفق - عندهم - من الديانتين اليهودية والمسيحية.

3- التشكيك في صحة الحديث النبوي.

4- التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي الذاتية.

5- حرصاً على تمزيق الوحدة اللغوية في الأمة الإسلامية من أجل تمزيق عقيدة الأمة ووحدتها؛ صب المستشرقون وعملاؤهم أشنع الاتهامات على اللغة العربية، فزعموا أنها عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة المعاصرة، وموكب العلم الحديث، مع أن هذه اللغة أقوى لغات العالم في توليد الألفاظ والكلمات اللازمة للمعاني المستحدثة بالبحث والاشتقاق، والقلب والإبدال والتعريب[2].

لذلك ركز المستشرقون طعوناتهم في حيوية هذه اللغة وروجوا لغيرها من اللغات بأساليب متعددة منها:

أ) زعمهم أن اللغة العربية اقتبست كلمات عربية من لغات قديمة متنوعة، ما يدل على قصورها في تلبية حاجات الشعوب، والمعروف أن الشعوب تتأثر ببعضها ثقافة وحضارة.. إلى غير ذلك من الأمور؛ لذا فأمر طبيعي انتقال بعض المفردات من أمة إلى أخرى، كما هو ملاحظ اليوم بين شعوب الأرض قاطبة.

ب) زعمهم أن اللغة العربية عسيرة التعلم، لذا تبنوا الدعوة إلى اللهجة العامية؛ ليجمدوا تقدم العربية وتمكنها من نفوس المسلمين فيضعف فهمهم للقرآن الكريم.

ج) الدعوة إلى إحياء اللغات القومية لكل جنس كالفارسية، والتركية، والأردية، والكردية، والبربرية.. وغيرها كما في العراق (كردستان)، والجزائر.

6- تشكيك المسلمين بقيمة تراثهم الحضاري، بدعوى أن الحضارة الإسلامية منقولة عن حضارة الرومان.

7- إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم.

8- إضعاف روح الإخاء الإسلامي بين المسلمين في مختلف أقطارهم عن طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم.

_____________________________________

[1] د. عبدالكريم عثمان: معالم الثقافة الإسلامية، (ص:99).

[2] أنور الجندي: الفصحى، لغة القرآن، (ص:51).


التعليقات