الهجرة ... «تَحَوُّلِ أُمَّةٍ» من الحضيض إلى القمة، رحلة غيرت وجه الأرض

لم يكن عفو الخاطر اختيار الفاروق رضى الله عنه، التأريخ للأمة المسلمة بحدث الهجرة بديلا عن بعثة النبي الأعظم أو ميلاده، وبديلا عن يوم الفرقان يوم بدر، وبديلا عن المحطة الفارقة يوم الأحزاب، وغيرها من الأحداث العظام.
الهجرة تعني الدولة، الهجرة تعني فتح الباب لبدر والأحزاب، الهجرة تمثل عالمية الإسلام وانطلاقه، وعدم ارتباطه بقريش ولا بمكة، وإنما الإسلام لمن قام به، وحفِظَهُ ودافع عنه، وضحى في سبيله، الهجرة تعني تحول المسلمين من حالة رد الفعل، إلى حالة المبادرة، تعني أن قوما قد رهنوا حياتهم وأموالهم وأوطانهم، ماضيهم ومستقبلهم لهذا الدين.
الهجرة تعني التخلي عن حالة الاستضعاف والخنوع، والتمسك بالتراب، إلى إيلام العدو والنيل منه، تعني الخروج من ضيق «دار الأرقم» إلى سعة «من أراد أن ييتم ولده فليلقني خلف هذا الوادي» تعني الهروب من سفاسف مال تليد وتجارة رائجة، إلى معالي «ربح البيع أبا يحي»، تعني شفاء الصدور يحين يدوي صوت المظلومين «رأس الكفر ... لا نجوت إن نجا» بديلا عن أنين «أَحَدٌ أَحَدْ ... فَرْدٌ صَمَد» وكلا وعد الله الحسنى، الهجرة تعني «لَوْلَا الهِجْرَةَ، لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ» صدقت يا حبيب الله!
لكن حين يتحول الحج، كما سائر الشعائر، إلى طقوس آلية، ومراسم بروتوكولية، فإننا نهدر القيمة الفعلية، ولا نقدر تلك المنة قدرها.