الحج شعيرة إسلامية، وفريضة ربانية تهفو إليها قلوب المسلمين في المشارق والمغارب، تنفيذا لموعود الله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27] واستجابة لدعاء الخليل إبراهيم عليه السلام ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ [إبراهيم: 37].
وإذا كان البعض ينظر إلى الحج على أن تكليف، والتكليف يستتبع المشقة، إلا أن حقيقة الحج أنه هدية ومنحة ومنة ربانية على هذه الأمة، ولو أحسن المسلمون استغلاله لأدركوا قيمة النعمة الإلهية، فهو موسم لتجديد التوحيد ونبذ كل معاني وموروثات الشرك، وإفراد الله تعالى وحده بالعبادة والتعظيم، وهو أيضا موسم الوحدة الكبرى، ففي كل صلاة يجتمع أهل الحي الصغير ليكونوا اللبنة الأولى من لبنات الوحدة الإسلامية، فإذا كان يوم الجمعة انضمت إلى هذه اللبنة لبنات، وفي شعيرة الصيام يتوحد أهل القطر جميعا فيمسكون ويفطرون في زمن واحد، ثم يأتي دور الحج الأكبر، ليصنع صرح الوحدة العظمى التي تتأبى على كل تفرقة، والتي تدفن أعداءها تحت هدير متواصل من التكبير والتهليل واللحمة والتراحم.
لكن حين يتحول الحج، كما سائر الشعائر، إلى طقوس آلية، ومراسم بروتوكولية، فإننا نهدر القيمة الفعلية، ولا نقدر تلك المنة قدرها.