كورونا نعمة أم نقمة ...... حين أجاب الوباء عن الأسئلة الصعبة

سوف يتذكر هذا الجيل ولوقت طويل أحداث كورونا، وجدالاتها، وخواطرها، وتداعياتها، وانقلاب موازين الأرض دون أن يرى أحد من الناس شيئا، لا معركة ولا جنود ولا حرب، لا يمكن التأكد على نحو اليقين من المستفيد ومن الخاسر، من الأول ومن التالي، من الهالك ومن الناجي، الجميع في تيه عظيم وكرب وشدة، وكل توقعات الناس وحساباتها أصبحت لا تغني عنهم شيئا.
أصبح المؤمن والمنكر، ومن كان يتباهى بإلحاده وعدم اعترافه بالدين، يعلن دونما خوف من ملامة، نفذت أسباب الأرض، ولم يعد أمامنا إلا الدعاء، ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 67]
رأينا آيات الله التي كنا نقرؤها أحيانا بلا روح شاخصة أمامنا رأي العين، واستوعب من لم يكن قادرا على الاستيعاب كيف تكون قدرة الله حين يريد، وأصبحت مستحيلات الأرض كلها وفي غمضة عين أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد.
هؤلاء الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، حتى شككوا بعض الناس في دينهم وإيمانهم، ودفعوا بعض رقيقي الديانة إلى إنكار وجود الخالق، كان أحدهم يتساءل سرا أو جهرا، هل يمكن أن يكون هناك رب لهذا الكون يرى ويسمع هذا الظلم ثم لا يحرك ساكنا، جاءهم الجواب، إن غياب رده، ليس غياب عدم أو عجز، إنها حكمة بالغة تعجز عقول محدودة عن إدراكها، وإن كان الله رحمة بها قد أعطاها بعض الإشارات لتفهم وتعي، أو على الأقل لتسلم وتؤمن.
هؤلاء الذين جفت حلوقهم من الدعاء بنصرة المظلوم، وهلاك الظالم، حتى تركوا الدعاء ويأسوا، يستبطئ بعضهم الإجابة فيشك في عدالة قضيته، ويحسب بعضهم أن ليس ثمة من يسمعهم، أو أنه يسمعهم ولن يجيبهم، جاءهم الجواب، إني أسمع وأرى ... فاصبروا ولا تملوا.
من كانوا يجمعون الأموال ويكنزونها من حل وحرمة، تحسبا لغدر الليالي وبأس الأيام، فإذا بالأموال لا تغني عن أحد شيئا، وإذا بالموت أقرب للجميع من شراك نعله، وأنه معرض لترك ما جمع والرحيل ربما مع وارثه ليترك ما جمع بلا وارث يرثه.
من كان يستثقل الخُطى إلى المساجد، ويبخل بالمال للحج والعمرة، يؤجل ويسوف أصبح على خطر عظيم فقد حيل بين الناس وبين البيت العتيق، ثم حيل بينهم وبين بيوت الرحمن، بل وقد يحال بين بعضهم وبين السجود والركوع، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون.
من كان يرفض قيد الشريعة في الحجاب، والاختلاط والربا، يقول عقلي ونفسي، وأرتاح لهذا وآنف من ذاك، وأقنعوني أولا، أصبح يصغي صاغرا لتعليمات إنسان مثله يحدثه عن غيب لم يره، ومرض لم يتحقق منه، وآثار يراها ولا يرى مسببها، ثم لا تجده يقول عقلي ولا أقنعوني ولا يقول أريد أن أرى وأشعر، بل إنه يتمنى من كل قلبه ألا يرى أو يشعر.
كانت أسئلة تدور في عقول المؤمنين رب قد آمنت، وأريد أن يطمئن قلبي، رب أرني كيف، فجاء الجواب يتجاوز الكيف والكم، يتخطى الزمان والمكان، ويُرِي للناس جميعا عجائب الأقدار، يسيح حيث أراد الله له أن يسيح، ويتجاوز عمن أراد الله له أن يتجاوزه، لا يعترف بالحواجز ولا الحدود، ولا الغنى أو الفقر، ولا القرب أو البعد، ولا السلطة والنفوذ، حتى من أعد نفسه للهرب ساعة العسرة، فإذا بالعسرة تسد المسالك وتفتح على الظالمين أبواب المهالك.
خصص بعضهم لنفسه وعشيرته مشافي خاصة، لا يُسمح لرقيقي الحال ولا لعوام الناس بدخولها، يستعد بهذا للمعروف من الأمراض، فإذا بالطبيب أقرب إلى الموت من مرضاه، وهو عاجز عن أن يحول بين كبار القوم وبين الموت، وإذا بهذه الجرثومة تتخطى رقيق الحال وعوام الناس، ثم تصل إليه وتقضى عليه، لا يمنعها عنه ماله ولا سلطانه ولا سلاحه ولا قوته ولا عشيرته.
كانت غزة تحاصرها يد الظلم والغدر، وتتشوق لفتح المعابر، فإذا بها هي من تغلق المعابر، وكان الناس جميعا يتكاثرون على حصارها، فاذا بالجميع يحصر نفسه بيده، ويذوق المحاصِر ما ذاق المحاصَر ولو إلى أجل.
هل إذا تفكرنا في هذا الوباء على هذا النحو، سنعتبره منة من الله علينا، أم نقمة وعذابا؟
والأهم من هذا حين يكشف الله الغمة، وسيكشفها لا محالة، منة وتفضلا، هل تعود الحياة سيرتها الأولى، إذا كانت سنة غير المؤمنين الإعراض، فهل على المسلمين أن يشاركوهم سنتهم، فيستأهلون عاقبتهم في الخسف والاستبدال؟!!
﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الإسراء:68 : 69]
اللهم مردا جميلا، وعودا حميدا، وحفظا لدينك وكتابك وعبادك المؤمنين.
أعد الملف لموقع بيان للناس : أحمد سليمان (باحث ومحرر)